Toggle menu

أيهما خير: من يصلي ويعصي؟ أم من لا يصلي ويعصي؟

 السؤال: يا شيخ –بارك الله فيكم- هناك مفهوم شائع في المجتمع هو: أنّ الذي لا يصلي ويرتكب المحرّمات، أحسن حالًا من الذي يصلي ويرتكب المحرّمات، لأن هذا الثاني يُعتبر لاعبا بالصلاة ومستهزءًا  بأحكام الله سبحانه وتعالى، فما مدى صحّة هذه الفكرة،وهذا المفهوم المنتشر بين الناس؟.



الجواب: الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.


 وبعد: فإن هذه الفكرة المنتشرة بين الناس خطأ، وهي مخالِفة لكتاب الله وسُنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم من جهات كثيرة:

الجهة الأولى: تَرْكُ الصلاة عمدًا أكثر إثمًا وأعظم جريمة من قتل النفس بغير حق، ومن الزنا، ومن شرب الخمر، ومن السرقة، كما قال الإمام  ابن القيّم رحمه الله تعالى، لأن الصلاة أعظم ركن في الإسلام بعد الشهادتين قال تعالى {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا }[مريم:59-60]، وقال صلى الله عليه وسلم:«من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله» [رواه البخاري (553)]، وقال صلى الله عليه وسلم:«العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر» [رواه أحمد، وغيره. وهو حديث صحيح كما في صحيح الجامع الصغير (4143)].


الجهة الثانية: تَرْكُ أوامر الله أعظم إثما من فِعل المنهياتِ، والصلاةُ من المأمورات، وكذلك الزكاة، والصيام، ونحو ذلك. أما شرب الخمر، والسرقة، ونحو ذلك، فهي من المنهيات. فالذي يترك المأمورات ويرتكب المنهيات معاً هو واقع في المعاصي والسيئات، لكنّ ترك المأمورات أشدّ إثما وجُرما، لأن القيام بالمأمورات مقصود لِذَاتِهَا، وأما المنهيات فمطلوب عدمها.


الجهة الثالثة: إن الذي يُصلي ويعصي ناقص في دينه لكنه أقرب إلى الله، وهو أخفّ إثما من الذي لا يصلي ويعصي، لأن الأول يتخفّف بتطهير نفسه بالوضوء والصلاة، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«من توضأ فأحسن الوضوء خَرَجَتْ خطاياهُ من جسده حتى تخرُج من تحتِ أظفاره» [رواه مسلم (245)]. وقال صلى الله عليه وسلم:« أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللهُ بِهِ الْخَطَايَا، وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟، قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى المَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَذَلِكُمْ الرِّبَاطُ، فَذَلِكُمْ الرِّبَاطُ»المكاره: شدّة البرد، أي، إحسان الوضوء مع برودة الماء والجَوِّ. ومعنى الرباط: المداومة على الطاعة. [رواه مسلم (251)] ومعنى

وقال صلى الله عليه وسلم:« أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهْرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ، يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ، هَلْ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ ؟قَالُوا: لَا يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ،قَالَ فَذَلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الخَمْسِ،يَمْحُو اللهُ بِهِنَّ الخَطَايَا » [رواه البخاري (528)، ومسلم (667)] ومعنى الدرَن: الوسخ.

فإن قيل: إن غسل الوضوء والصلاة للخطايا مشروط باجتناب الكبائر، بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم:« الصَّلَوَاتُ الخَمْسُ، وَالجُمُعَةُ إِلَى الجُمُعَةِ، كَفَّارَاتٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ، مَا لَمْ تُغْشَ الْكَبَائِرُ » [رواه مسلم (233] ومعنى ما لم تُغش: ما لم تُؤتَ. فالجواب: أن اجتناب الكبائر شرط هنا لغسل الذنوب كلّها، أمّا من لم يجتنب الكبائر فإن الوضوء والصلاة يخفّفان من ذنوبه وإن لم يمحوانها كلها، وهناك فائدة أخرى وهي الآتي

 


الجهة الرابعة: إن الذي يُصلي ويعصي أقرب إلى التوبة والانتهاء عن الكبائر، مِنَ الذي لا يُصلي ويعصي، فقد قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم  إن فلانا يُصلي بالليل فإذا أصبح سرق، قال صلى الله عليه وسلم:« إنه سينهاهُ ما تقول» [رواه أحمد (9778)، وابن حبان في صحيحه (2560)، وغيرهما، وإسناده صحيح].

وانتبهوا إلى جواب الرسول صلى الله عليه وسلم ، فلم يقل لهم –كما يقول كثير من الناس اليوم- قولوا له يترك هذه الصلاة، لأنه يَلعب ويستهزئ بأحكام الله، بل قال لهم:«سينهاهُ ما تقُول» يعني ستنهاه صلاته عن المعصية، خاصة صلاة الليل.

 فإن قال قائل: ألم يقل الله في القرآن الكريم {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ }[العنكبوت:45]، أَوَلَيْسَ هناك حديث: « من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر، لم تزده صلاته إلا بُعْدًا ؟»، فالجواب: أن الآية حق، لكن اقرءوا ما قبلها فهي هكذا {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ } [العنكبوت:45]، فالصلاة التي تنهى عن ذلك هي التي يقيمها المسلم، وليس التي يصليها فقط، وإقامتها تكون بالمحافظة على طهارتها، وأوقاتها، وعلى الخشوع وحضور القلب فيها، وعلى الجماعة فيها إلا من عذر، أمّا من خالف بعض ذلك أو كُلّه فإن الخلل فيه وليس في الصلاة، وأما الحديث المذكور فإنه حديث باطل لا تصح نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنما صَحَّ من قول ابن مسعود، والحسن البصري،ورُوي عن ابن عباس رضي الله عنهم، كما قال الشيخ الألباني في السلسلة الضعيفة (1/56)]، ويكون معناه حينئذ على التهديد لمن ترك من الواجب من الصلاة أعظم مما فعله أي:يترك من واجباتها أكثر مما يفعله، فيُبعده ذلك التَّرك من الله تعالى كما قال ابن تيمية رحمه الله ثم قال:«هذا الحديث ليس بثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، لكن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر كما ذكر الله في كتابه، وبكل حال فالصلاة لا تزيد صاحبها بُعدا، بل الذي يصلي خير من الذي لا يصلي، وأقرب     إلى الله منه، وإن كان فاسقًا» اهـ.


ملاحظة مهمّة: الكلام السابق لا يعني التهوين من شأن المحرّمات وارتكابها، فإن الذنوب بريد (أيْ: طريق) الكُفر،ولكنّ المقصود تصحيح المفاهيم الخاطئة، وعلى المسلم أن يجتنب الذنوب والمعاصي كبيرها وصغيرها، خاصّة الذنوب التي تكون بترك الواجبات، وعليه أن يجتنب كلّ ما يوقعه في المعاصي من أفكار، وأصحاب، وبيئة، وكُتب، ومقالات، وغير ذلك. لأن الله تعالى أعطى القدرة للإنسان على اجتناب الكبائر (بِنَوْعَيْها ترك الواجبات، وفِعل المنهيات)، فإنْ وقَعَ في الذنب فعليه بالمسارعة إلى التوبة، والاستغفار، والرجوع إلى الصراط المستقيم، كما قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208) فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } [البقرة: 208-209]. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« سدِّدُوا وقارِبُوا... » [رواه البخاري (6464)، ومسلم (2818)] يعني: كُنْ دائما في الهدف وهي طريق الاستقامة والصواب، فإن لم تفعل فكُن قريبا ولا تبتعد كثيرًا حتى يسهل عليك الرجوع إلى الهدف. وقال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: التوبة من الذنب واجب، والاحتراز من الذنوب أوجب. وقال تعالى {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ } [الزمر:53-54-55].


أسأل الله تعالى أن يجنّبنا منكرات الأخلاق والأهواء والأدواء والأعمال، إنه سميع مجيب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مدونة شواطىء التائبين مدونة تهتم بأمور التوبة والتائبين,انشات المدونة في سنة 2014 ,انشات هذه المدونة للافادة والاستفادة ,ودائما نبحث عن الجديد لنحضره اليكم حصري وجديد ,لذا فادعمونا بتعليقاتكم المشجعة والتي تدعمنا كي نواصل ان شاء الله. وتابعونا واشتركوا معنا:

جميع الحقوق محفوظة لمدونةشواطىء التائبين2014

notifikasi
close