Toggle menu

وقفات يسيرة مع كلمة البغدادي الأخيرة

وقفات يسيرة مع كلمة البغدادي الأخيرة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبيَ بعده وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثره وسار على دربه وبعد: فقد استمعت إلى كلمة لأبي بكر البغدادي قائد تنظيم الدولة الإسلامية بعنوان –ولو كره الكافرون- فوجدت بها من المُغالطات ما يدعو للتوقف عندها وبيان الحق ودَحْض الباطل حتى يحيى من حيَ على بين ويهلك من هلك على بينة وسيكون عملي في هذه الأسطُر وضع ما سمعته من البغدادي بين علامتَي تنصيص ثم يأتي تعقيبي على كل نقطة على حدة.

 

أولا: قال البغدادي في مطلع كلمته: "إن الجهاد أفضل الأعمال وذروة سنام الإسلام"
أقول ولا شك في أفضلية الجهاد لكن لا يكون أفضل الأعمال على إطلاقها فقد جاء عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُوْد رضي الله عنه أنه قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ العَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: «الصَّلاَةُ عَلَى وَقْتِهَا» قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «بِرُّ الوَالِدَيْنِ» قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» قَالَ: حَدَّثَنِي بِهِنَّ، وَلَوِ اسْتَزَدْتُهُ لَزَادَنِيرواه البخاري 5970 ومسلم 85. ومن هذا الحديث الشريف يُعلَم أن أفضل الأعمال أداء الصلاة على وقتها فإن محبة الله للأشياء مترتبة على أفضليتها عنده وقد جاء الجهاد في المَرتبة الثالثة ثم إن الصلاة أفضل من الجهاد من وجه آخر كونها الركن الثاني من أركان الإسلام والركن لا يستقيم البناء بغيره.

ثانيا: قال البغدادي "وجعل سبحانه عِزَ المسلمين بالجهاد وسلط عليهم الذل بتركه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا تبايعتم بالعِينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم وأعد الله عذابا أليما لمن يتخلف عن الجهاد"
أقول: وفي هذه العبارة مأخذان الأول أن العلاج لما حَل بالأمة من ذُل وصغار ليس بالجهاد وحده بل كما وجَه النبي صلى الله عليه وسلم بالرجوع إلى الدين رجوعا حقيقيا ليس بالقتال وحده فلو سلمنا له بكلامه لفُهم منه ترك صحة الاعتقاد وسلامة التوحيد في صدور المسلمين كعلاج للذل الحاصل للأمة. وقوله: أن الله أعد عذابا أليما لمن تخلف عن الجهاد وقرأ قوله تعالى{إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا} أقول: بداية أي جهاد قصده البغدادي الدفع أم الطلب فإن كان الطلب فإنه ليس بواجب على كل مسلم فقد روى الإمام مسلم في صحيحه برقم 16 أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ: أَلَا تَغْزُو؟ فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: " إِنَّ الْإِسْلَامَ بُنِيَ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَصِيَامِ رَمَضَانَ، وَحَجِّ الْبَيْتِ " وهذا نص في بيان أَن جهاد الطلب ليس بواجب على كل المسلمين والبغدادي يَعُد ما يقوم به غَزْوَا ثم إن الله تبارك وتعالى قال فيمحكم التنزيل {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا النساء (95} فلو كان يأثم من ترك الجهاد لَما وعده الله بالحسنى مع أفضلية المجاهد فليعلم البغدادي أن القرآن والسنة لا تُفهم أدلتهما كل دليل بمعزل عن الآخر.
ثم قال البغدادي: "وأمر الجميع بالجهاد ولم يستثنِ أحدا فقال عز وجل: {انفروا خفافا وثقالا} وأمر سبحانه بالقتال في كل الأحوال حتى ولو بقي مجاهد واحد فقال سبحانه {فقاتل في سبيل الله لا تُكلف إلا نفسك وحرض المؤمنين}"
أقول الأمر بالقتال ليس للمسلمين كافة فيُستثنى منه النساء والأطفال وكبار السن وبعض من يقوم بالتفقه في الدين مصداق لقوله تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} التوبة (122) فإن الله تبارك وتعالى نفى النفير عن كافة المؤمنين وخصص طائفة معينة بعدم النفير إذن الأمر لا يشمل جميع أفراد المسلمين وإنما المقاتلة يعني العسكر المعدين للقتال، وأن القتال لا يكون في كل الأحوال فقد يضطر المسلمين لكف أيديهم عن الكافرين لبعض الأسباب منها الضعف قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا } النساء (77) فهنا أُمِر المسلمون بكف الأيدي في وقت من الأوقات وكان هذا الوقت في مكة وقت ضعف الدعوة ولين شوكة المسلمين، واستدلال البغدادي بقوله تعالى: فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا لا يصلح هاهنا قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: "فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك"، فجاهد، يا محمد، أعداء الله من أهل الشرك به ="في سبيل الله"، يعني: في دينه الذي شرعه لك، وهو الإسلام، وقاتلهم فيه بنفسك.
فأما قوله:" لا تكلف إلا نفسك" فإنه يعني: لا يكلفك الله فيما فرض عليك من جهاد عدوه وعدوك، إلا ما حمَّلك من ذلك دون ما حمَّل غيرك منه، أي: أنك إنما تُتَّبع بما اكتسبته دون ما اكتسبه غيرك، وإنما عليك ما كُلِّفته دون ما كُلِّفه غيرك.
ثم قال له:"وحرض المؤمنين"، يعني: وحضهم على قتال من أمرتك بقتالهم معك ="عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا"، يقول: لعل الله أن يكف قتال من كفر بالله وجحد وحدانيته وأنكر رسالتك، عنك وعنهم، ونكايتهم.
تفسير الطبري ت شاكر 579/8.

ثالثا : قول البغدادي "خافت أمريكا وأوروبا وأستراليا وكندا وأذنابهم وعبيدهم المرتدون من حكام بلاد المسلمين"
أقول وهنا يظهر جليا منهج البغدادي الخارجي فهو يحكم بالردة على حكام المسلمين قاطبة وهذا الأمر يترتب عليه تكفير المجتمعات الإسلامية التي لاترى كفر حكام المسلمين –فالقاعدة تقول من شك في كفر الكافر كافر مثله- ومنهج الخوارج يعتمد على أصلين ثابتين الأول تكفير مرتكب الكبيرة وتجويز بَل إيجاب الخروج على الحاكم المسلم الظالم الذي في نظرهم كافر مرتد وبيان ردة الحكام المسلمين من عدمها مجال خاض فيه أهل العلم وأثبتوا أن الحاكم الذي لا يحكم الشريعة لجهل أو لهوى أو لسبب آخر غير اعتقاده أفضلية المناهج الأرضية على منهج الله عاصي مرتكب لعمل كفري لكن لا يُخرِجه عن الملة إلا بإقامة الحجة بتوافر شروط التكفير وانتفاء موانعه مما ذكرنا بعضه،

رابعا: قال البغدادي "إنما يكمن ضعف وحلفائهم في حاجتهم للسحرة المجرمين من علماء الطواغيت حكام بلاد المسلمين لِيَسْحَرُوا أعين الناس ويُلَبِسوا على عوام المسلمين بفتاوى صادرة عن اليهود ومعممة من الصليبيين..."
أقول: وهذا هو دأب الخوارج منذ زمانهم الأول اتهامهم أهل الفضل والعلم مرة بعلماء السلطان ومرة مفتي الحكام وأخرى بغلاة الطاعة واليوم يَطْلُع علينا البغدادي بأسلوب جديد في التكفير تكفير العلماء فوصفهم بالسحرة وهذا يقتضي الحكم عليهم بالكفر وهو يعلم يقينا أن الساحر كافر، ثم وصفه للفتاوى التي تحرم الخروج على الحاكم المسلم الظالم والأمر بطاعته في المعروف بفتاوى اليهود ومن تعميم الصليبيين اتهام صريح للقرآن والسنة بأنهما من كلام اليهود والصليبيين، فإن العلماء الأفاضل لا يستدِلون في هذا الباب إلا بقال الله قال الرسول ولولا أن المجال يضيق عن ذكر الآيات والأحاديث لأتيتكم بها تباعا والله المستعان.

خامسا: قال البغدادي: "وأبشروا أيها المسلمون فإننا نبشركم بإعلان تمدد #الدولة_الإسلامية إلى بلدان جديدة إلى بلاد الحرمين واليمن وإلى مصر وليبيا والجزائر ونعلن قبول بيعة من بايعنا من إخواننا في تلك البلدان وإلغاء اسم الجماعات فيها وإعلانها ولايات جديدة للدولة الإسلامية وتعيين ولاة عليها." ثم قال "فيا أبناء الحرمين يا أهل التوحيد يا أهل الولاء والبراء إنما عندكم رأس الأفعى ومعقل الداء ألا فلتسلوا سيوفكم ولتكسروا أغمادكم ألا فلتطلقوا الدنيا فلا أمن لِآل سلول وجنودهم ولا راحة بعد اليوم ولا مكان للمشركين في جزيرة محمد صلى الله عليه وسلم سلوا سيوفكم وعليكم أولا بالرافضة حيثما وجدتموهم ثم عليكم بآل سلول وجنودهم قبل الصليبيين وقواعدهم...الخ" ثم قال "ويا أبناء العقيدة في سيناء الحبيبة هنيئا لكم وأبشروا هنيئا لكم أيها الرجال هنيئا لكم بواجب الجهاد ضد طواغيت مصر.
أقول: فإن البغدادي أماط اللثام عن منهجه ولم يدع مجال لعاقل ليشُك في أنه خارجي جَلْد يدعو أهل الإسلام لتخريب بلادهم بأيديهم ودفن أمنهم في مقابر الاقتتال والتطاحن وترك أعراضهم نهبة للسفلة الغوغاء ومرة أخرى يشحن لسانه بألفاظ التكفير حين وصف حكام السعودية بآل سلول وهو يعلم أن ابن سلول منافق والمنافق في الدرك الأسفل من النار، ثم الرجل يريد أن يثير أحقاد الرافضة على أهل السنة ويعطيهم المبرر أكثر وأـكثر ليذبحوا أهلنا في أماكن تواجدهم وعلو سلطانهم ويريد أن يحيل المنطقة إلى مِرجَل يغلي بالدماء والأشلاء.
فإني أتوجه إلى طلاب العلم بتساؤل هل بقي من صفات الخوارج صفة لم يتقلدها البغدادي أم أنه سيطلع علي من يبرر له بالفساد وشيوع الكفر وهذه الشنشنات التي مللنا سماعها من مَن طلع علينا قبله ثم سؤالي لمن يؤيدون الرجل فيمَ اقتتالهم مع جبهة النصرة وخصومتهم مع القاعدة وأميرها الظواهري مع أن المنهج واحد والمشرب واحد أَم أن الأَجِنْدات اختلفت والرؤى تناقضت؟

وفي الختام أعتذر عن الإطالة فلامجال للاختصار بأقل من هذا، وأدعو كل مسلم أن يتفقه في دينه حق التفقه وأن يعكف على الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة وليدعه من أفكار حدثاء الأسنان ذوي الأحلام السفيهة وأصحاب ضيق الأفق والسلاح المأجور علموا أَم لم يعلموا.
والله أسأل أن يهدينا سبيل الرشاد وأن يوفق حكام المسلمين للحكم بالشريعة ولفعل الخيرات ودفع المنكرات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مدونة شواطىء التائبين مدونة تهتم بأمور التوبة والتائبين,انشات المدونة في سنة 2014 ,انشات هذه المدونة للافادة والاستفادة ,ودائما نبحث عن الجديد لنحضره اليكم حصري وجديد ,لذا فادعمونا بتعليقاتكم المشجعة والتي تدعمنا كي نواصل ان شاء الله. وتابعونا واشتركوا معنا:

جميع الحقوق محفوظة لمدونةشواطىء التائبين2014

notifikasi
close