Toggle menu

أنتم علمانيون بلحى

الكتاب المسموع للخطبة

الخطبة الأولى

إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئآت أعمالنا ، إنه من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .



https://www.youtube.com/watch?v=cPTanXoQ9jQ



خطبة الجمعة

أنتم علمانيون بلحى

لفضيلة الشيخ : طلعت زهران - حفظه الله -
يوم الجمعة 2 ذي القعدة 1432هـ الموافق 30 سبتمبر 2011م


الكتاب المسموع للخطبة

الخطبة الأولى

إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئآت أعمالنا ، إنه من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } [ آل عمران:102 ]

{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا } [ النساء:1 ]

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا } [ الأحزاب 70 ، 71 ]

واعلموا عباد الله أن أصدق الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار . أما بعد ..

فكيف يكون اختيار الحاكم في الإسلام ؟

لا يكون اختيار الحاكم في الإسلام مرضياً لله عز وجل إلا إذا كان على هدي خير هذه الأمة ، وخير هذه الأمة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورضي الله عنهم ، وسنة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم ؛ سنة ملزمة ينبغي أن يسير المسلمون عليها في كل زمان ومكان ، ينبغي أن يسيروا عليها في القول والعمل والاعتقاد والسلوك وليس لهم أن يخالفوها بحال من الأحوال ، لأن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قد زكاهم الله وشهد لهم بالعدالة والأفضلية .

فأما العدالة : فإن الله عز وجل قال فيهم : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً } [البقرة : 143]

هذه الآية فيها الشهادة بالعدالة لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فالصحاب رضوان الله عليهم هم الشهداء على الناس لعدلهم .

وأما أفضليتهم : فإن الله عز وجل قال : { كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ } [آل عمران : 110]

فشهد الله عز وجل لهم بالعدالة والأفضلية ، وطالما شهد لهم بالعدالة والأفضلية فإنه لابد من اتباعهم لأنه من لم يتبعهم فقد شاقق الله والرسول واتبع غير سبيل المؤمنين ( يعني غير سبيل الصحابة رضوان الله عليهم ) ، وتوعده الله عز وجل { نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً } [النساء : 115] .

فالصحابة رضوان الله تبارك وتعالى عليهم لهم العدالة والأفضلية ، ولذا كان الإمام مالك – رحمه الله – يعجبه قول عمر بن عبد العزيز – رحمه الله – في قوله : سن رسول الله صلى الله عليه وسلم وولاة الأمر من بعده ( وولاة الأمر من بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم هم الخلفاء الراشدون ) سنناً الأخذ بها تصديق لكتاب الله واستعانة بالله واستقامة على دين الله ، من عمل بها مهتدٍ ، ومن استنصر بها منصور ، ومن خالفها اتبع غير سبيل المؤمنين ، ولاه الله ما تولى وأصلاه جهنم وساءت مصيراً .

كلام عمر بن عبد العزيز – رحمه الله – يبين أن السنة هي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعده ، الأخذ بها هو الدين والقوة والإعانة ، والاهتداء بها هو الاهتداء ، وتركها هزيمة وضلال ، والاستنصار بها نصره .

وكان عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – ينصح التابعين فيقول : من كان مستناً فليستن بأصحاب محمدٍ صلى الله عليه وسلم فإنهم كانوا على الهدى المستبين ، كانوا أبر هذه الأمة قلوباً وأعمقها علماً وأقلها تكلفاً وأقومها هدياً وأحسنها حالاً ، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم ، فكانوا على الهدى المستبين .

يأمرنا عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – أن نتبع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم .

وقال أيضاً : اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم ( يعني يكفيكم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ) .

الله تبارك وتعالى زكى الصحابة - رضوان الله عليهم – وذكر أنهم هم الراشدون ، وذكر أنهم هم الصادقون ، وذكر أنهم هم المفلحون ، وبين أنه رضي عنهم ورضوا عنه ، وأنه ألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها ، وبين أن العالم لن يهتدي إلا بهدي الصحابة – رضوان الله تبارك وتعالى عليهم – قال : { فَإِنْ آَمَنُوا بِمِثْلِ مَا آَمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ } [البقرة:137] ، ولذا مدحهم ابن القيم – رحمه الله – فقال : أولئكَ أصحـابُ النبيِ وحـزبهُ

ولولا هُمُ ما كانَ في الأرضِ مسلمُ

ولولا هُمُ كـادت تميـدُ بأهلها

ولكـن رواسيهـا وأوتادُهـا هُمُ

ولولا هُمُ كـانت ظلاماً بأهلها

ولكـن هُمُ فيهـا بدورٌ وأنجـمُ

فهم الجبال الرواسي ، وهم منارات الهدى ، وهم البدور والنجوم ، لا يسعنا مخالفة سنتهم بحال من الأحوال ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : " تفترق أمتي على ثلاثٍ وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة " ، قالوا : وما هي يا رسول الله ؟ قال : " ما أنا عليه اليوم وأصحابي " .

إذاً نقول إن سنة الصحابة - رضوان الله عليهم – ملزمة في القول والعمل والاعتقاد والسلوك ، فكيف تكون تولية الحاكم عند الصحابة – رضوان الله عليهم – ولا ينبغي أن تكون هناك صورة أخرى بعد تلك الصور .

فأما الصورة الأولى : فهي البيعة من طريق أهل الشوري أهل الحل والعقد .

وأما الصورة الثانية : فهي العهد ، أن يعهد الحاكم السابق إلى حاكم يليه .

وأما الصورة الثالثة : فهي ما يشبه العهد ، وهو أن يعهد الحاكم السابق إلى مجموعة يكون الاختيار بينهم .

وأما الصورة التي أقرها الصحابة فهي الصورة الاضطرارية الإجبارية ، وهي أن يقوم رجل بسيفه فيخرج على الحاكم المسلم فيزيحه ويتولى الحكم بالقوة ، فإن هدي الصحابة – رضوان الله تبارك وتعالى عليهم – أن ينتقلوا إلى بيعة من غلب ، لا توجد صورة أخرى يقرها الإسلام إلا تلك الصور .

فأما الصورة الأولى : فيروي عمر بن الخطاب – رضي الله عنه - في البخاري فيقول : لما قبض الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم اجتمعت الأنصار في ثقيفة بني ساعدة ، واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر – رضي الله عنه - ، وتخلف عنا علي والزبير وطلحة ، وتخلفت عنا الأنصار ، فقلت لأبي بكر : قم بنا نؤم الأنصار ( أي نقصد الأنصار ونذهب إليهم ) قم بنا نؤم الأنصار في ثقيفة بني ساعدة ، فقام معي أبو بكر وأبو عبيدة وأناس من المهاجرين ، فقاموا معي فذهبنا نؤم ثقيفة بين ساعدة ، فإذا الأنصار مجتمعون وبينهم رجل هو سعد بن عبادة – رضي الله عنه – فلما اجتمعنا إليهم قام رجل من الأنصار يخطب فحمد الله وأثنى عليه ثم قال إننا معشر الأنصار أنصار الله وكتيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنتم يا معشر المهاجرين رهط رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأخذ يتكلم ، قال عمر بن الخطاب – رضي الله عنه - : فلما رأيت أنهم يريدون أن يختزلوا هذا الأمر فيهم لاسيما لما قام الحباب بن المنذر – وهو أنصاري – فقال : منا أمير ومنكم أمير ، قال عمر : وكنت قد زورت مقالة في نفسي ( يعني أعددت مقالة أقولها ) ، فقمت لأتكلم فأشار إلي أبو بكر أن اسكت ، قال : فخشيت أن أعصي أبا بكر – رضي الله عنه – فقام أبو بكر فحمد الله وأثنى عليه وتكلم فما ترك شيئاً مما زورته في نفسي إلا قاله وأحسن ، وكان أوقر مني وأحلم ، وكان مما قال أبو بكر – رضي الله عنه - : يا معشر الأنصار ، لقد علمتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أثنى عليكم وقال : " لو سلك الناس شِعباً وسلكتِ الأنصارُ شِعبا لسلكتُ شِعبَ الأنصار " ، يا معشر الأنصار إن الله عز وجل سمانا الصادقين وسماكم المفلحين ، وقد قال الله عز وجل : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ } [التوبة:119] ، فلابد أن تكونوا معنا ، ولقد قال النبي صلى الله عليه وسلم وأنت قاعد يا سعد ( يعني سمعت أنت يا سعد بن عبادة مقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم ) : " إن هذا الأمر في قريش فبر الناس تبعاً لبرهم ، وفاجرهم تبعاً لفاجرهم " ، وقد سمعته وهو يقول : " الأئمة من قريش " ، فهذا الأمر فينا ، قال عمر - رضي الله عنه - : فقمت وقلت : يا أيها الناس ، لقد علمتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أبا بكر أن يؤم بالناس فأيكم يحب أن يتقدم أبا بكر في الصلاة ؟ فقالت الأنصار : نعوذ بالله أن نتقدم أبا بكر ، فقال عمر – رضي الله عنه - : لقد علمتم أن الله عز وجل قد اصطفى رسوله صلى الله عليه وسلم ، وقد ذكر صاحبه فقال : { ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الغَارِ } [التوبة:40] فإنه أبو بكر ابسط يدك أبا بكر أبايعك ، فبسط الصديق – رضي الله عنه – يده فبايعه عمر ثم أبو عبيدة بن الجراح ثم تتابع الناس مهاجرين وأنصار يبايعون أبا بكر – رضي الله عنه –

بويع أبو بكر – رضي الله عنه – وكانت هذه البيعة ( تأمل فيها ) محصورة في رجال ثقيفة بني ساعدة ( يعني في خيار المهاجرين وفي خيار الأنصار ) كبار الصحابة – رضوان الله عليهم – وهم أهل الحل والعقد ( يعني أهل العلم وأهل الشوكة والقدرة والقوة وشيوخ القبائل ورؤسائها ) ، فهذه الصورة الصورة الأولى صورة اختيار الحاكم لا تكون إلا لصفوة الناس من كبار أهل العلم ، ومن كبار أصحاب الشوكة والقوة والتأثير في المجتمع الإسلامي ، هم يجتمعون إذا لم يكن في البلاد حاكم يجتمع هؤلاء الصفوة فيختارون من بينهم حاكما يصلح لهذه الإمارة ثم يبايعونه ويولونه وعندئذ يلزم بقية الناس أن يبايعوا هذا الحاكم ولا يخرجوا عن طاعته ، لأن أولئك الصفوة في ثقيفة بني ساعدة وقد لحق بهم الزبير وطلحة وعلي – رضي الله عنهم – قد بايعوا أبا بكر – رضي الله عنه – لأن هؤلاء الصفوة أقر بقية الصحابة والتابعون ببيعتهم ، جميع الصحابة في بقية بلاد المسلمين لا سيما في مكة – شرفها الله عز وجل – وفي تبوك واليمن وغيرها من البلاد التي فتحت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم .

هل كانت هذه البيعة باختيار عموم الشعب ؟ هل ذهب الصحابة – رضوان الله عليهم – يستشيرون بقية أفراد المسلمين في أنحاء الجزيرة العربية ؟ لا ، لأن عامة الناس ليس لهم مدخل في اختيار الحاكم أبداً ، وإنما مدخلهم الوحيد هو الرضى بما يختاره أهل الحل والعقد ، ليس لهم أن يعترضوا ، وليس لهم أن يخرجوا عن تلك الطاعة ، ولا أن ينزعوا يداً من بيعة بحال من الأحوال ، ولذا لما بايعت تلك الصفوة أبا بكر – رضي الله عنه – لزمت تلك البيعة جميع المسلمين في كل مكان فرضوا بها وأقروا بها ، وهذا اجتهاد الأفاضل من أهل بدر ، وسعيد بن جبير – رحمه الله – يقول : ما لم يكن عند البدريين ديناً فليس بدين .

وأما الصورة الثانية : فهي أن الحاكم حين يشعر بدنو أجله ، أو حين يشعر بأنه لم يعد يستطيع أن يبقى في الحكم فله أن يختار الحاكم من بعده وعلى الأمة الإقرار بذلك ، وذلك لأن أبا بكر – رضي الله عنه – لما أقبل على لقاء ربه ( يعني لما اشتد مرضه ) وأيقن بأنه ملاقٍ الله عز وجل استشار فضلاء الصحابة ، ثم أرسل إلى عثمان بن عفان – رضي الله عنه – واستكتبه ( يعني أملاه كلاماً ) ، حمد الله وأثنى عليه ، وقال : من أبي بكر بن أبي قحافة الذي أشرف على الموت وعلى لقاء الله ، يوم يصدق الكاذب ، ويوقن الفاجر ، ويؤمن الكافر ، ثم قال أما بعد فإني استخلفت عليكم من بعدي عمر بن الخطاب وذلك لحسن ظني في عدله ، ويقيني فيه ، فإن عدل فذلك ظني فيه وعلمي به ، وإن بدل فسيوليه الله ما تولى { وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ } [الشعراء:227] ، والخير أردت ولا أعلم الغيب ، وإني توكلت على الله ربي وربكم ، وخرج عثمان – رضي الله عنه – بذلك العهد المكتوب من أبي بكر – رضي الله عنه – إلى المسلمين أنه ولى عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – ورضي الله عنه - ، وقبل الناس جميعاً بذلك العهد ، ولم يشذ عنه أحد ولم يخرج عليه أحد أبداً .

وأما ما يشبه ذلك فهو الذ حدث عند مقتل عمر – رضي الله عنه – فإنه لما قتل وقبل أن تخرج روحه لتلقى الله عز وجل أمر الصحابة والتابعين أمرهم وهو مسجى على الأرض وجرحه يثعب دماً ، قال : الخلافة بعدي في ستة من العشرة الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض ، فذكر الستة ، وأما الأربعة لم يذكرهم لأن أبا بكر أولهم وكان قد مات ، ولأن عمر ثانيهم وهو مشرف على الموت ، ولأن ابا عبيدة بن الجراح قد لقي الله عز وجل ، فذكر عثمان وعلياً ، والزبير وطلحة ، وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص ، وهم الباقون ، وكان سعيد بن زيد أيضاً قد لقي الله عز وجل ، فهم الستة الباقون من العشرة الذين مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض ، ولما قبض عمر – رضي الله عنه – اجتمع أولئك الستة فاختاروا من بينهم بعد مداولات ومشاورات اختاروا من بينهم عثمان بن عفان – رضي الله عنه – فنعم أمير المؤمنين هو .

إذاً هذه ثلاث صور ، الصورة الثالثة أشبه بالثانية ، غير أن الثانية فيها استخلاف لواحد ، والثالثة فيها استخلاف لستة ، وأما علي – رضي الله عنه – فإن عثمان لما قتل جاء أولئك المجرمون القتلة يبايعون علياً – رضي الله عنه – ففر منهم وأعرض عنهم ، فجاء كثير من الصحابة – رضوان الله عليهم – إلى علي وقالوا له : لابد لك من هذا الأمر لتنقذ الأمة ، فقال : والله إني لأستحي أن أضع يدي في يد رجال قتلوا عثمان – رضي الله عنه - ، ومالي لا استحي من رجل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكره ، ويقول إني لأستحي منه لأن الملائكة تستحي من عثمان ، ووالله لا أقبل بيعة وعثمان – رضي الله عنه – لم يدفن بعد ، فالصحابة – رضوان الله عليهم – أسرعوا بدفن عثمان – رضي الله عنه – ورجعوا إلى علي لأن المجرمين ومنهم الغافقي المصري قائد كتيبة المصريين الذين قتلوا عثمان ، هذا الغافقي المجرم الملعون كان هو إمام الصلاة بالقوة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان يدير المدينة ، وهدد أولئك المجرمون بقتل علي وطلحة والزبير وسائر الصحابة ثم ترك المدينة والإنصراف فعندئذ لم يجد علي – رضي الله عنه – بداً ولا مناصاً فاختاره بقية الصحابة – رضوان الله عليهم – وبايعوه فبيعته من الصورة الأولى يعني أهل الحل والعقد بايعوه .

وأما الصورة الرابعة فهي أنه إذا خرج نفر بالقوة بغاة على حاكم المسلمين ، إذا خرجوا بالقوة وتمكنوا وتمكن قائدهم من السلطة فعندئذ حقناً لدماء المسلمين يجب على المسلمين بيعته طالما استتب له الأمر وتمكن ، وهذا ما بينه لنا الصحابة رضوان الله عليهم ، وذلك أن خليفة المسلمين كان عبد الله بن الزبير – رضي الله عنهما – حكم المسلمين سبع سنين خليفة وهو صحابي ابن صحابي – رضي الله عنهما – وكان ورعاً تقياً عالماً ، ولكن خرج عليه عبد الملك بن مروان ، وخرج عليه طوائف جمة ضخمة وحشود من المصريين والشاميين وغيرهم ، وكانت لهم القوة والغلبة ، خرجوا عليه وضعف شأنه وضعفت قوته وانفض كثير من أنصاره من حوله فنصحه عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – نصحه أن يترك الخلافة وأن يترك الحكم طالما ضعفت شوكته وضعفت قوته حقناً لدماء المسلمين ، ولكن عبد الله بن الزبير لم يستجب ، والبيعة له والصحابة معه ولم يخرجوا عليه وكانوا ضد ذلك الخروج ، ولا يقبلون خروجاً من أحد عليه ، ولكن لما تمكن عبد الملك بن مروان ودخل الحجاج بن يوسف ودخل إلى مكة وضربها بالمنجانيق وحاصرها وقتل عبد الله بن الزبير وصلبه ؛ استتب الأمر لعبد الملك بن مراون ، عندئذ نادى أفضل الصحابة في ذلك الوقت وهو عبد الله بن عمر كان أفضل الناس في زمنه حينئذ ، نادى الناس أن يذهبوا إلى بيعة عبد الملك بن مروان ، وروى البخاري أنه أخذ أولاده وذهب لبيعته ونصح المسلمين ببيعة عبد الملك بن مروان حقناً لدماء المسلمين .

هل توجد صورة أخرى لتولية الحاكم في الإسلام ؟ لا .

هل يوجد أسلوب آخر لتولية الحاكم في الإسلام ؟ لا .

هل يجوز اتخاذ أسلوب آخر غير هذا ؟ لا .

كل أسلوب بعد ذلك غير هذه الأساليب فهو محرم ، ولذا لا ينبغي للناس إن فرض عليهم طريقة لاختيار الحاكم تخالف تلك الطرق السالفة الذكر ؛ لا يجوز للناس أن يشاركوا فيها أو أن يدعوا إليها أو أن يقنعوا الناس بها ، أو أن يقيموا الدعاية لها ، لا يجوز للناس أن يتبعوا طريقاً غير سبيل المؤمنين وإلا ولاهم الله ما تولوا وأصلاهم جهنم وساءت مصيراً .

[COLOR="rgb(46, 139, 87)"]الخطبة الثانية[/COLOR]

الحمد لله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد .

سيقول لك المرجفون في المدينة ومن في قلوبهم مرض ممن انحرفوا عن الطريق وشكلوا الأحزاب وسموها بالأحزاب الإسلامية التي ينبغي لكل من انضم إليها أن يعلن التوبة إلى الله عز وجل ، وأن يسارع بالإنسلاخ منها ، وينبغي لكل من سكت عليها أن يتوب إلى الله عز وجل وأن يحذر منها ، وينبغي لكل من رضي بها وسكت أن يتوب إلى الله تبارك وتعالى وأن يعلن سخطه عليها ، سيقول لك المرجفون وأصحاب الأحزاب سيقولون لك : نسلك طريق الديموقراطية دون أن نؤمن بها ، ونحن ما زلنا على قولنا بأن الديموقراطية كفر صريح ولكننا لن نؤمن بها فقط سنتبعها حتى لا نترك الساحة للعلمانيين وغيرهم ، ولنا أن عبد الرحمن بن عوف – رضي الله عنه – لما ترك عمر الخلافة في ستة فإن عبد الرحمن بن عوف كان من أولئك الستة وأراد للناس أن يختاروا عثمان – رضي الله عنه – فكان يقرع بيوت الناس يسألهم ، ويسأل الرجال والنساء ، يدخل بيوت أهل المدينة أجمعين يسألهم ، ما تقولون في عثمان ؟ فيؤيدون ، ويسأل الرجال والنساء فيؤيدون ، فتلك طريقة ديموقراطية فيها الرجوع إلى عوام الشعب ، فلماذا لا نسلك هذا الطريق إذاً ؟

فقل لهم : أتكذبون على عبد الرحمن بن عوف – رضي الله عنه – وتجيزون ذلك الكذب ؟ إن هذا الأثر لا يصح سنداً ولا متناً ولا عقلاً ، فهو باطل ، فإن عبد الرحمن بن عوف لم يفعل هذا أبداً ، وإنما حصر عمر – رضي الله عنه – الخلافة في ستة ، فلم يعد يجوز لعبد الرحمن أن يسأل غيره ، وعبد الرحمن بن عوف أبقى الكلام في ستة وخلع نفسه أولاً وطلب من كل اثنين أن يتنازل أحدهما للآخر فبقي الأمر بين علي وعثمان ، ثم إنه اختار عثمان – رضي الله عنه - ، فالقول بأنه طاف على بيوت الناس يسألهم قول باطل سنداً ومتناً ، وأما عقلاً فإنه إن فعل ذلك فإنه يكون قد جار جوراً عظيماً لأنه إن كان ذلك يعني أن يسأل عموم أهل الإسلام فإنه إذا يكون قد سأل في أهل المدينة فقط ، فأين كما كان ينبغي عليه حسب زعم المرجفين كان ينبغي أن يذهب إلى أهل مكة يسألهم ، وينبغي أن يذهب إلى أهل مصر يسألهم ، وينبغي أن يذهب إلى أهل الشام والعراق واليمن وفارس وجميع البلاد المضمومة إلى المسلمين وجميع البلاد الإسلامية التي مات عمر – رضي الله عنه – وقد فتح أكثر أجزاء المعمورة المحيطة بأهل الإسلام في ذلك الوقت ، لو كان الأمر واجباً أن يستشير عموم المسلمين لكان ينبغي على عبد الرحمن بن عوف ألا يسأل أهل المدينة فقط ، وإنما كان ينبغي أن يسأل الجميع ، ولذا استشهادهم بهذا الأثر باطل ، وهم ما ذكروا هذا إلا اتباعاً لأهوائهم .

وبالتالي عباد الله لا يجوز بحال من الأحوال أن يلجأ الناس إلى عموم الشعب ليختاروا الحاكم فإنه ليس لعموم الشعب أن يشارك في هذه المسألة ومن شارك فهو آثم ، ولذا يا أيها المواطن إن كانت لك بطاقة إنتخابية فمزقها ، إياك أن تنضم إلى حزب ، وإياك أن تشارك في أي صندوق ، وليس لك أن تشارك في انتخابات مجلس الشعب فإنه لا يجوز أن يوجد في بلد إسلامي مجلس يسمى مجلس الشعب يشرع من دون الله ، وإياك أن تشارك في انتخابات مجلس الشورى فإنه ينبغي أن يكون في بلاد المسلمين مجلس شورى على شرط أن يختار الحاكم أعضاءه لا أن يختار الناس أعضاءه ، وأما الحاكم فإنه يختاره فقط أهل القوة والشوكة أهل الحل والعقد وليس لعموم الناس أن يتدخلوا في هذا الأمر بحال من الأحوال وإلا يكونون قد خالفوا سنة سيد المرسلين واتبعوا غير سبيل المؤمنين فسيوليهم الله ما تولوا ويصلهم جهنم وساءت مصيرا .

كما أنه يا عباد الله من عرض نفسه للإمارة ، وقال : اختاروني رئيساً لبلادكم أو أميراً عليكم فإنه لا يجوز اختياره بحال من الأحوال ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إنا لا نعطي الإمارة من يطلبها ، وقد طلبها العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم فرفض ، وطلبها أبو ذر - رضي الله عنه – فرفض ( أي رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ، فمن قال : اختاروني أنا مرشحكم ، هذا برنامجي فإنه لا يجوز اختياره لأنا لا نعطي الإمارة من يطلبها ، كذلك هو يزكي نفسه حين يقول : اختاروني أنا خير من يمثلكم ، والله عز وجل قال : { فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى } [النَّجم:32] ، فمن زكى نفسه فهو بعيد عن التقوى ولا ينبغي اختياره بحال من الأحوال .

فإذاً يا أيها الناس ليس لكم أن تخالفوا سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، فليس لكم أن تسلكوا تلك الطرق الباطلة ، طريق الديموقراطية ، وطريق اختيار الناس للحاكم فإنه لا يجوز .

أما شبهة ترك الساحة فيقولون : هل نترك الساحة للعلمانيين والليبراليين نحن أولى بها نحن إسلاميون ، أنتم أولى بطريق الليبرالية ، أنتم غذاً ليبراليون ولكنكم بلحى ، أنتم إذاً علمانيون ولكنكم بلحى ، هذه الساحة وهذه الطريقة طريقة العلمانيين واليبراليين فإذا دخلتم معهم فإنكم إذا مثلهم ، لا تقعدوا معهم إنكم إذا مثلهم { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا اليَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ } [المائدة:51] ، من تولى قوماً فهو منهم ، من اتخذ طريقة قوم فهو منهم ، أنت تريد أن تسلك طريق العلمانية لتنافس العلمانيين وأنت مثلهم علماني ولكن لك لحية ، أنت تريد أن تنافس الليبراليين ولكن لك لحية ، فما الفرق كلنا مسلمون والعبرة باتباع طريق النبي صلى الله عليه وسلم وباتباع منهاج الصحابة – رضوان الله تبارك وتعالى عليهم - .

طريق الحزبية ليس من الإسلام في شيء .

طريق تفريق الناس ليس من الإسلام في شيء .

لقد اجتمعوا أول أمس أتعرف كم اجتمعوا ؟ اجتمع ممثلون عن ستة وتسعين حزباً ، انقسم المصريون إلى ستة وتسعين حزباً فضلاً عن الجماعات وفضلاً عن غيرهم .

انقسم الناس تفرقوا وفرقوا دينهم وكانوا شيعاً ، تقطعوا أمرهم بينهم زبراً كل حزب بما لديهم فرحون ، فما لنا ولهذا ، ما لنا ولهذا ، نحن لنا طريق نسلكه ، ولنا هدي نتبعه ، ولنا مسار نسير فيه ، ولنا منهاج لا نحيد عنه أبداً ، هو منهاج الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه .

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واختم لنا منك بخاتمة السعادة أجمعين ، اللهم اشف مرضانا وارحم موتانا واهدنا سبل السلام واجعل القرءان العظيم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء همومنا ومكن لدينك في الأرض وافتح له قلوب الناس ، وانصر دينك وسنة نبيك صلى الله عليه وسلم .

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين . وصلي اللهم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مدونة شواطىء التائبين مدونة تهتم بأمور التوبة والتائبين,انشات المدونة في سنة 2014 ,انشات هذه المدونة للافادة والاستفادة ,ودائما نبحث عن الجديد لنحضره اليكم حصري وجديد ,لذا فادعمونا بتعليقاتكم المشجعة والتي تدعمنا كي نواصل ان شاء الله. وتابعونا واشتركوا معنا:

جميع الحقوق محفوظة لمدونةشواطىء التائبين2014

notifikasi
close